تعالوا نعيدكم إلى ثلاثينيات القرن الفائت


مرّت عقود من الزمن ونحن غارقون في الحداثة وما حوّله عصر العولمة من تحديث وتجديد على مختلف الأصعدة والجوانب والمجالات.
فترة الثلاثينيات كانت تلك الحقبة من تاريخ  أم الدنيا (مصر) تزخر بالانجازات الثقافية والفنية وبنفس الوقت تعيش حالة من الفساد والفقر أبان الحكم الملكي وما آلت إليه الأحداث من حالات التشظي والانقسام إلى جانب ما تلاقيه جيوش الاحتلال من مقاومة شرسة من قبل أبطال الثورة.
كان الفن يعيش حالة راقية جدا ويجتمع كبار أدباء وفنانو مصر والعرب في ليال لا تخلو من أعمالا سرمدية بقيت إلى الأبد ما عاش الأدب والفن. في العام 1932 أثمر مخاض هذه اللقاءات عن ولادة تحفة تاريخية وهي أغينة (إِسقينها) والتي غنتها (أسمهان) ولحنها الموسيقار (محمد القصبجي) والقصيدة للشاعر (الأخطل الصغير) وهي على التخت الشرقي الذي يضم (القانون، الكمنجة والعود) كان أسلوب التلحين ذاك الزمان.
المعروف ان أسمهان هي أميرة من الدروز واسمها الحقيقي (آمال الأطرش) وأطلق عليها هذا اللقب الموسيقار (داود حسني) وهو اسم فارسي يعني نوع من أنواع المجوهرات الثمينة هي شقيقة الفنان الراحل (فريد الأطرش) تعيش هذه الطائفة أي (الدروز) في سوريا وبالتحديد جبل الدروز في منطقة السويداء (ويعتبر صوتها من أقوى الأصوات النسائية العالمية فهو ذو خامة اوبرالية شرقية قوية نادرة الوجود و ظاهرة غنائية لن تتكرر) على حد قول نقاد الموسيقى الكبار.
محمد القصبجي هو الموسيقار الكبير صاحب أطرب وأجمل الألحان لحن لكبار الفنانين العرب أمثال أغاني كوكب الشرق أم كلثوم وأغنية (قلبي دليلي) للراحلة (ليلى مراد) و(شادية، صباح ونور الهدى)كان على علاقة صداقة قوية بأسمهان وعائلتها حتى قيل عندما كانت تغيب أسمهان أو تسافر لتعود وتتصل به يعرف صوتها منذ الوهلة الأولى تجيبه قائلة: (معقول يا محمد تعرفني من كلمة الو!!) ومثل ما كانت البداية رائعة مع اسمها ن كانت النهاية أروع فغنت له من أندر الأغاني العربية العالمية الصعبة جدا على حد قول أهل التخصص الموسيقى وهي (يا طيور) التي تعد ظاهرة لحنية كلامية وغنائية عديمة التكرار.
الأخطل الصغير اسمه (بشارة الخوري) (1885- 1968م) عايش الأخطل النهضة الجديدة في القرن العشرين وشهد ماكان لها من اثر في تطور الشرق العربي فكريا واجتماعيا وسياسيا ومع انه لم يتجاوز في تحصيله المدرسي نطاق المعرف الثانوي. فان إقدامه وهو في مطلع الشباب على امتهان الصحافة إذ اصدر جريدته (البرق) سنة 1908، وكان له معرفة  باللغة العربية والفرنسية. كتب في الشعر (الغزل الوصف والرثاء والكثير من الموضوعات الشعرية) وتعتبر قصيدة (إسقنيها) هي من خمرياته الذي أبدع في كتابته الشعر بهذا الجانب.
مطلع القصيدة
إسقنيها بأبي أنت وأُمّي           لا لتجلو الهمَّ عني – أنت همي
       إملأ الكأس ابتساما         وغرامـــا
       فلقد نام النَّدامــــــى         والخزامى             
       زحم الصبح الظلاما        فإلامــــــا
قُم نُنهنهِ شفتينا    ونذوِّبْ مُهجتينا     رضيَ الحبُّ علينا
                         يا حبيبي
    صُبها من شفتيكْ        في شفتيّـــا
    ثم غرق ناظريكْ        في ناظريّا
    واختصرها ما عليكْ    أو علَّيــــا
إن تكن أنت أنا     وجعلنا الزّمنا      قطرةً في كأسنا
                           يا حبيبي
هذه هي أركان الأغنية الأساسية والأسماء الكبيرة التي عملت فيها تعملقت وبات من خوالد التراث العربي الموسيقي ومرجع مهم للأجيال كي تنهل منها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق