في ذكرى ذكراهم لن ننساهم... (عبدالله ذياب) في عقر الذاكرة


أ لأننا لا نعرف قيمة الأفذاذ إلا عند رحيلهم، وعند فقدهم نتسابق في رثيهم وذكر خصالهم وأمجادهم، واستعراض عضلاتنا الفكرية والخطابية ومفرداتها اللغوية. أ لأننا سريعو النسيان، وندعي انها نعمة، أنعمها الله، ناسين ومتناسين إن تحولت هذه النعمة إلى نقمة، قد يتهاوى كلَّ من في الذاكرة.
أكره ما يصار من حفلات التأبين، وعبارات الثناء والتقدير، المزهوة بالعناوين الرنانة والشعارات الجوفاء، التي لن يسمع عنها صاحبها، ولن يقرأ منها شيء. قابلته أو لم أقابله، كتبت أو لم اكتب، ان كان لدينا شيء عن الأباطرة فلنقوله وهم أحياء، لا ننتظر فرصة الحقيقة الثابتة (الموت)، حتى تلمع أسماؤنا، وقتها نبرع بالعزف على الأوجاع. 
عزائي انني التقيت الراحل (عبدالله ذياب) قبل رحيلهِ بأسابيع وتعرفت عليه، إذ كان للرياضي المثابر (احمد ريسان) دورٌ في هذا اللقاء.
غداة التقينا، سألني عن الراحل المبدع (ناصر خلف) قائلا: (هل لازال يرسم لوحات الحياة ليعطي الأمل للفقراء ويرسم الابتسامة على وجوه العمال والفلاحين..؟). وتحدث: عن الإهمال الذي يلف الرياضة بشكل كبير في العراق، كذلك عزوف الكثير من الشباب عن الرياضة، وموضوع التزوير في أعمار الرياضيين، وآفة المنشطات والعقاقير الطبية المضرة المحظورة التي تجتاح جيلا من الشباب. وشكا من الدعم المادي والإمكانيات المالية المقدمة للرياضيين في جميع الألعاب.
 ثم انصرف كلٌّ منا إلى ملاذه، لتحديد حوار صحفي في ما بعد، انشغالي بالعمل ومصابه بالمرض والتزامات الحياة. كانا حدان فاصلان في تأجيل اللقاء. لكن للأسف كانت أحضان الموت اقرب من ذاك الموعد، حتى صدمت بعد فترة برحيله وانتقاله إلى رحمة الله. عندها أدركت ان السماء تهبنا النجوم لفترة قصيرة من الزمن ثم لا تلبث وتستردها لتزين نفسها بألوان الوسن.
وتجلى في خاطري ما قالته الروائية أحلام مستغانمي: (نحن نفتقد أكثر أولئك الذين اخلفنا معهم أجمل المواعيد، ومن اعتقدنا ان الحياة ستتواطأ معنا في مصادفات جميلة تليق بأحاسيسنا النبيلة تجاههم. لفرط ما كانوا في متناولنا، نسينا أنهم في متناول الموت أيضا).
عندما أردت الكتابة عن البطل الرياضي الراحل (عبدالله ذياب) بحثت كثيرا عن لقاءات صحفية تناولت سيرة حياته الإنسانية الرياضية، لم أجد منها شيئا. لكن ما أكثرها المقالات التي كتبت بعد رحيله (ثم طوى ذكره النسيان)، التي تتحدث عن تميزه وتفرده في لعبة المصارعة وعن مهارته في والحرة والرومانية وفن الخطف الذي من خلاله ولج هذا الفن الرياضي في كركوك.
عندما نحلم نطرح الكثير من الاسئلة: هل ستكون هناك خطة جريئة لتسمية مثلا مشفى أو شارعا أو ملعبا باسمه، وتكون محافظة كركوك سباقة في تكريم أبطالها ومبدعيها قبل محافظات العراق؟ هل يكفي ما يتقاضاه ذوي المغفور له كمرتبٍ شهري من قبل نادي الثورة مشكورين (الذي لا يُشبع جائعا أو يطفئ ظمأ عطشان) أو يسد رمق قوتهم في مجابهة صعاب الحياة؟ هل ستبقى كتاباتنا هي دائما حبرا على ورق حالها حال المقالات الآخر. وتبقى أسئلة تلفها علامات السؤال وأبواب  الحلول موصدة أمامها.     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق