ابـــــتــــلاع


ابطال الفليم الوثائقي (خاص جدا)
"انتبهوا إليه جيدا.. لأنه سيجعل الدنيا كلها تتحدث عنه" أطلق العنان موزار بهذه الكلمات لأفضل وأشهر مؤلفي الموسيقى والنغم ألا وهو "بتهوفن"، عندما كان تلميذه فسرعان ما لمح موزار أثناء دروسه الأولى التكوين الموسيقي لبتهوفن ومخائل الموهبة الموسيقية لديه.
ففي تلك السنوات الغابرة المنصرمة نهاية القرن الثامن عشر، حين نزلت أوربا إلى قاع الضياع الدموي، جُلّ اهتمامهم انصب للأطفال، من خلال تفعيل دور الموسيقى والفنون والأدب، وإتقانهم لها، وذلك بتوفير أساتذة متخصصين بمجال الطفولة. أما في العراق الآن ونحن نخطو العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لازال واقع الطفل ضحل ويفتقر للكثير من المقومات الأساسية ويبدو انه على هاوية أو شفا حفرة من الانهيار وصعب جدا ملء الهوة الكبيرة لعالمهم الخاص.
تذكرني وعود المختصين والمسؤولين عن الطفولة، بتراكيب الشعر الجديدة والخلطات السحرية له، فعند مزج المركبات المطلوبة دون رقابة صحية، تمسح فروة الرأس في الصباح مرة وفي الليل مرة وخلال أسبوع تحصل على خصلات شعرية كثيرة ومكثفة. بعد انقضاء الفترة المحدد دون تحسن ملموس لكثافة الشعر تبدأ الهلوسات وتصبح عُصاب فيسقط ماتبقى من شعر الرأس، ناهيك عن الأمراض النفسية والجانبية الجلدية التي يسببها هذا العلاج، هذا ما نفعله نحن نعد برامج للأطفال ومنهاج بعيدة كل البعد عن عالمهم ونزجها عنوة بين ثناياهم البريئة، فليس مهم كثافة ولون شعر الرأس المهم الجوهر الذي يكمن في باطنه.
قبل أيام مررت بتجربة سينمائية هي الأولى أخوض غمارها مع الكاتب المسرحي الكبير (قاسم حميد فنجان)، كما هو أول عمل في العراق لفيلم وثائقي قصير أبطاله من ذوي الاحتياجات الخاصة، ابهرنا أرباب  الألم الذين تجرعوا مرارته كالعلقم مع ذويهم ومن احتضنهم، وفعلا كانوا أبطلا، قدموا أدوارهم بحرفية عالية وأداء متقن، فجاءت الصورة انعكاس حقيقي لمعاناتهم وترجمة لسقمهم الازلي.
 أتحدث عن يوم عرض الفيلم حيث أفاقت كركوك على خمس انفجارات فتوجهوا الإعلاميون إلى أماكن الدمار والخراب، فكان غياب عدد من المسؤولين كما حال الكثير من الكتاب والنقاد والأصدقاء عن حضور العرض. القاعة تزينها ضحكاتهم ولكن دون ان يجدوا موزا ر القرن الحادي والعشرين، أو من ينجدهم من قاع الألم ويحمل مرساته ليأخذهم إلى برُّ الأمان الفني والنفسي، اتسم عرضهم بصمت  مهيب وخشوع رهيب من الجميع.
 نحن بحاجة إلى تغير جذري وشامل للأطفال، بحاجة إلى ترجمة فعلية لواقع الحياة لنتخلص من حالة الابتلاع والتخبط المستمر في مسيرة حياتنا، والتي تقذفنا بأمواجها ونتلاطم بتياراتها الأخر.
 نعلمهم اعتلاء خشبة المسرح ليتعلموا كيف يكون النقد مباشر وبنَّاء ويدركوا انه لاعتمة للحياة خلف كواليسها. نسمعهم سيمفونيات عالمية فتضرب الموسيقى عندهم شغاف القلب لتنمي فيهم ذائقة فنية فضفاضة تحي الأمل والحياة لخلق جيل أفضل. ندفع بهم في رحاب السينما فتكون لهم رؤية وعلم بما يحيطهم فتغدوا حياتهم أفلام نقية صافية تتحدث عن المحبة والسلام وبعيدة عن الضغن والالتباس. نركبهم بروج الشعر ونجلسهم في محراب الفلسفة ليرتعوا بمروج خضر مزدانة بالألوان فتصبح حياتهم نظامية مزدهرة.
ولحين مجيء هذا الجيل المعجون بالأدب والفنون فلنستمع إلى أشباه الأغاني، ونتشدق بعبارات تطلقها القنوات الفضائية وتتهم بها بعض الآراء والأفكار القيمة بأنها منحلة وخارجة عن القانون، ونعيد رماد الجمر في المقاهي لشرب المعسل، ونترك مجال كبير من وقتنا للمسلسلات التركية، ونستقيل من المستقبل لنعيش على فُتات أيام زمان.
إهداء لمن قراءة المقال وانتابه الاستهزاء للشاعر (طرفة ابن العبد)
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا       ويأتيك بالأخبار ما لم تزود      

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق