(جين أوستن) فارسة عصرها بالرواية الواقعية


جين اوستن
                                                                                          غيلان ناصر
كتابٌ فقدت صفحاته الأول والأخيرة، اصفر من قدمه، ضاعت بذالك أهم معالمه، عنوانه، اسم المؤلف، المترجم والطبعة. بذلك اندثرت أولياته الأساسية. لكنه لا يمنع من سمو وورقي  ما احتواه من مآثر فنية مهمة لتاريخ صاحبته. يبدأ منذ طفولتها وما رافقها من حياة قاسية بائسة، ثم يستمر بمراحل أدبية مهمة وتأثيرها بالمدارس الأدبية، واحترفها المدرسة الواقعية لتضيف قيمة فنية للقصة الروائية إذ أحدثت تغير جذري في أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر إنها (جين اوستن).
من يقرأ سيرت حياتها ويتعمق بإرثها الأدبي يدرك انها  كاتبة استثنائية، فبالرغم انها عاشت في عصر نابليون الحافل عندما كانت أوربا كلها مشتبكة في الصراع، إلا انها تجاهلت باصرار فظائع الحرب، وكتبت بدلا من ذلك عن الرحلات الخلوية في الصيف وعن سعر الموسلين وعن الفقر المدقع والمعدمين.
يصنف مؤلف الكتاب قرنيِّ الثامن عشر والتاسع عشر بأنه لم تظهر به نساء مبدعات فقد كان أعاظم المؤلفين الموسيقيين والرسامين والمثالين وكتاب المسرح وحتى الشعراء كانوا من الرجال. باستثناء الرواية فظهرت ((نساء روائيات ضارعن الرجال بل وتفوقن على الذكور)) مضيفا  ((كانت "جين اوسن" واحدة من أولئك النساء بل لعالها كانت أعظمهن على الإطلاق)). أما عن جمهور القراءة في تلك الحقبة ((كانت تحظى بالقراءة من جماهير واسعة اكثر مما يحظى به اي روائي اخر من كتاب القرن التاسع عشر, باستثناء (تشارلز ديكنز)).
في العام 1775 ولدت في بلدة ستيفنتون فنشأت "اوستن" نشأة فاضلة كان والدهم قسيسا لبلدة ستيفنتون، فلم تجد مشقة في احتلال مكانها في المجتمع، فقد أصبح اثنان من إخوتها أمراء البحر فيما انضم الثالث الى الكنيسة اقتداء بابيه.
منزل عائلة اوستن
 
بدأت الكتابة في عمر مبكر من سن السابعة عشرة شرعت في المسودة الأولى لرواية "اليونور وماريانا" وكتبتها بشكل رسائل متعاقبة فكان الأسلوب الشائع في ذلك الوقت. في العام 1811 تم تنقيح الرواية ظهرت في نسخة جديدة وباسم جديد هو "الإحساس والوعي" بعدها الفت روايتين أخريين  في منتصف العشرينيات من سني حياتها لم تنشرا الا فيما بعد.
اما رواية "الكبرياء والهوى" التي يعدها النقاد اكبر الروايات محبة عند الجمهور وأكثر شهرة حيث لاقت منع النشر من قبل احد الناشرين عام 1797 بعد ان قدمت نواتها الأصلي "الانطباعات الاولى".
 
رواية الكبرياء والهوى
في العام 1798 كتبت رواية "دير نورث انجر" حملت فيه بالقدح على رواية القوطية لكن هذه الرواية لم تنشر إلا عام 1881.
عام 1801 انتقلت إلى مدينة "باث" وعاشت فيها اربع سنوات وهناك بان واضحا تأثير جو وحياة الطبقة الفوق المتوسطة ظل يتخلل كتابتها فكان واضحا في رواية "آل واطسون".
ثم انتقلت عائلتها عام 1805 الى مدينة "سوثمبتون" وفي عام 1809 استقرت في "تشاوتون" بمقاطعة "هامبشير" واتجهت الى الكتابة الجادة حتى حانت وفاتها في تلك المدينة عام 1817. قد نشرت رواية "متنزه منسفيلد" عام 1814 ورواية "ايما" عام 1816 وقبل وفاتها بفترة قصيرة أتمت تأليف رواية "إقناع" وهي أخر رواياتها نشرت عام 1818.
اهم أراء النقاد عن كتاباتها إذ جمع المؤلف الكثير من الآراء النقدية حولها استخلصت المهم منها.
 (انها فنانة رائعة،كانت رواياتها بارعة التركيب والبنيان،  لها دائما طرافتها الشائعة. وكانت تعرف كيف تسرد قصتها بوضوح شديد، واقتصاد في الكلمات، ولكن أسلوبها سلسا أخاذا في حين ان ميلها الى الحوار قد منحها مجالا لتصوير الشخصيات الدرامية لا يفسده السرد الروائي المسهب الطويل الذي كان شائعا عند الكثير من روائيي القرن التاسع عشر).
اهم الشخصيات في روايتها هم القساوسة مثل (هنري تيلني) في رواية (دير نورث انجر) (ادموند برترام) في رواية متنزه منسليلد تتجلى بصورة بارزة كما تظفر النساء بحسن العرض والتصوير بصفة خاصة وقد أتاح نفاذ بصيرتها إلى عقل المرأة، إزاء بطلات روايتها في صورة كائنات بشرية عادية، والنقائض المعتادة مثل مالهن من المناقب المحمودة وخير مثال لهذا هي شخصية "ايماوود هاوس التي كانت على الرغم من انها ودودة ماهرة فاتنة المعشر. ميالة الى اعتبار نفسها اكثر حكمة من سائر الناس.
من النقاد من يعتبرون عالمها ضيق غاية الضيق وانها لا تنفذ ببصيرتها الا الى مدى محدود ويقولون انها نادرا ماتدخل الطبقات الدنيا في نطاق مجتمعها الا كالخدم والأغنياء.
 وفي نهاية الفصل الأخير للكتاب يصل المؤلف الى قناعة بتحليل الانتقادات بانها  ((غير منصفة فقد عرفت خيرا مما عرف ناقدوها اين تكمن مواهبها وقد استخدمتها الى اقصى حد في عالم شعرت بانه يستهويها ويجتذبها اليه ولا يمكن ان تطلب الانسان من فنان اكثر من هذا)).
خاتما الفصل الأخير بالأسطر التالية:((ان جين أوستن تضحك في رقة من بلاهتها، ولكنها ابعد ماتكون عن القسوة عليها)).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق