الرذيلة


غيلان ناصر
سِجّال يدور بيني وزميلتي الكاتبة (ر. ع) عندما نتبادل أطراف حديثنا عن قراءاتنا الأخيرة. أخرها كان عن (مصطفى لطفي). وتنوع قراءتها بين الشعر والمدارس الكلاسيكية والرمزية. فيما أظل متشبثا بالمدرسة الواقعية ومؤسسها (مكسيم غوركى) فبوصفه الدقيق ولغته الرصينة وأسلوبه القوي وسرده الأخاذ، يوسع آفاق الأفكار ويطلق العنان لمخيلة مليئة بالأحداث تأسر القارئ، فيأخذك الشوق للانغماس في حياة الفقر المدقع وأحزانه الموجعة والأفراح المتأجلة فتنمي ذائقة ثاقبة تواقة لقراءة المزيد من ارثه.

 عرضت زميلتي الكاتبة ان اقرأ قصة الفضيلة للكاتب الفرنسي (برناردين دي سان) ترجمة (مصطفى المنفلوطي) ويالها من قصة رائعة إذ تتحدث عن الفضائل الإنسانية من مكارم الأخلاق والسمو بها لتحقيق أهداف قيمة لبناء مجتمع متماسك قوي منتج وفعال. في تلك الفترة حظي الكاتب الفرنسي (برنار دان) بتقدير  كبير ومكانة مهمة بين المجتمع إذ قلده ، (لويس السادس عشر) إدارة حديقة النباتات ومتحف التاريخ الطبيعي. ومنحه (نابليون بونابرت) وسام الشرف وكان نابليون إذا قابله قال له (متى تؤلف لنا يا برناردين رواية ثانية؟). ويتضح حبه الصريح لوطنه في قوله: (من أحب وطنه تغرّب في سبيله) وهو ما حدي به ترك وطنه والسفر إلى عوالم عديدة حتى يشعل بها لهيبه الفني والأدبي الجم فكانت أسفاره إلى روسيا ولقاء ملكتها (كاترين العظمى) ثم فنلندا وبعدها إلى بولونيا فألمانيا فصحاري أمريكا ومدغشقر حتى انتهى به المطاف الى جزيرة موريس. في العام 1852 تحتفل الحكومة الفرنسية بإقامة تمثال من البرونز صنعه "دافيد" المثّال الشهير. (ليست هذه الرواية أثرا للكاتب، وإنما هي اثر خالد للغة الفرنسية) وهذا أجمل ما وصفت به الرواية من قارئيه.

نتمنى ان يحظى الأديب أو الفنان في العراق بهذه الحفاوة والتقدير.  متى يعود الأديب أو الفنان يحتل دوره الحقيقي الكبير في التراث الحضاري؟ بما هو كشف رؤيا تنير آفاقا جديدة وتكشف حقائق الحياة والوجود. لان الفن هو أسمى درجات التعبير الإنساني وهو ملتزم بقضايا الإنسان الجوهرية، والتحولات الحضارية المهمة في تاريخ البشرية. وعلى الأديب ان يساهم بما أوتي من ثقافة وتجربة ورؤيا في رسم معالم الانبعاث الحضاري، وتحديد ملامح نهضة البلد الأم. أرقى حضارات الأرض، أجدادنا السومريين الذين أذهلوا البشريةَ بعلمهم وفنّهم وحضارتهم الفائقة! يا لضَيعة الفن والحضارة في زمان التملق والانحطاط الفكري والاجتماعي، زمان النكسة الفنية.
وبما ان خيط واهن بين الرذيلة والفضيلة فالفضيلة هي الأخلاق الإنسانية الحميدة والأخلاق مسالة شخصية تضر صاحبها ان كانت سيئة أو مجيدة أما الرذيلة فهي الداء الذي يصيب البلاد و خطرها مدمر متشعب يصل إلى بنا تحتية في المجتمع ويتطلب سنين طوال لإصلاحه لان الرذيلة:هي السرقة، والرشوة، والخيانة، والكذب، والدناءة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق