مــــــتـــــــعــــــــــة




(اقرأ. اقرأ كثيرا. وإذا لم تفهم كتابا, فاقرأه سبع مرات. وان لم تفهمه أيضا فاقرأه اثنتي عشرة مرة). كانت تلك الكلمات التي قالها "سموري" ذلك الشيخ الكهل يخاطب الجميع على المركب بلهجة جافة خشنة بما فيهم رئيس الخدم. في رواية "مكسيم غوركي" الشهيرة (بين الناس المجلد2) هذه الكلمات ظلت عالقة في ذهن الصبي الصغير الذي تجرع المرارة في حياته البائسة التي لم تعرف الهناء قط برغم ذلك كان الصبي مُصراً على القراءة والمطالعة اليومية خلسة وعلانية كأنه يقترف جرما عظيماً.
وهن قلة القراءة  وشحت القراء لفئة كبيرة من الناس بات يجتاح المجتمع . اذ تمثل المنعطف المهم لحياة الشعوب والفيصل الذي يقف على عتبات حضارتها وانجازاتها الجديدة ولعالها تضفي الى الجانب النفسي والسيكولوجي الكثير لطمر هوة التخلف المتوسعة.
 للقراءة طقوس خاصة كما يؤكد الكاتب المصري "صلاح معاطي": (لدي طقوس خاصة بالقراءة وأخرى بالكتابة حيث أجد عندما أقوم باختيار كتاب لقراءته لابد ان يكون بمثابة بداية لكتاب اخر في الاتجاه ذاته التاريخ مثلا وهكذا كذلك فانا أبدا يومي دائما بالقراءة وقد اختار في هذا التوقيت كتابا يرتبط بكتاب اخر أقوم بكتابته في الوقت نفسه).
ثمة سؤال مهم يجب الوقوف عنده هو: كيفية اختيار نوعية الكتب التي نروم لقرأتها فتأكد الأديبة د. فاطمة ناعوت ان ((«فنَّ القراءة»، أصعبُ من «فنّ الكتابة». لأنه يحتاج أولا إلى اختيار ما نقرأ. وهذا عمل عسِر. لأن «اختيارَ المرءِ جزءٌ من عقله»، كما قال السيوطي. ثم إنه تأمُّلٌ لكل كلمة نقرؤها، وتبصّرٌ في دلالة مواقع الكلمات وإيقاعها وترتيبها، ثم الانتباه لعلامات الترقيم والتشكيل التي تبدّل المعنى. ثم هو، بعد كل هذا، تدبُّرٌ واعٍ ومثقف لمضمون الكلام: رمزيته ومجازيته وحَرفيته، ومحاولة البحث فى عمق الكلمات وأسرار اللغة الخبيئة، التي لا يعرفها إلا محترفو القراءة)). فشتان إذن عندما نروم إلى القراءة ثم الكتابة.
أكدت دراسة بريطانية في استطلاع رأي عن ايام العطل والإجازات التي يقضيها البريطانيون بينت الدراسة حوالي اكثر 80% لقراءة اخر كتاب صدر او جميع مجلات او جرائد الاسبوع المنصرم لقراءة ما فات منها. و20%  لترويض وترفيه حيواناتهم. فكرت في الفرق بين سفراتنا وسفراتهم تحضيراتنا للاكل تأخذ نسبة 99% والواحد المتبقي نحمل عبء وثقل دوام اليوم التالي.
استغرب من البعض انه لم يقرأ كتابا منذ سنة ولا مجلة منذ شهر ولم يطالع صحف البتة غير أخبار الرياضة أو الصفحة الفنية او الأبراج وعند سؤال عن سبب هذا التباطؤ بالقراءة يشكون من قلت الوقت وعدم الفراغ لقد كانت (كاترين العظمى) التي حكمت روسيا لفترة طويلة تستيقظ في الخامسة صباحا ولا تنام الا بعد منتصف الليل وتشكو مثلها مثل كل من لديه خطة للحياة من قلة الوقت وكانت حين تشعر بالتعب تخلع نعليها وتسير حافية على الرخام البارد في غرفتها لتجدد نشاطها. وتستعين بكتب الفلسفة والأدب لتجاري التغيرات المستمرة.
إذن هي متعة  نروم خلالها الولوج إلى عالم ثقافي يثري حياتنا مفاهيم إنسانية اجتماعية مفعمة بالرؤى والأفكار الإبداعية الخلابة مثقلة بالحكمة والمعرفة الواسعة.
اخر شيء.
يقال والعهدة على وكالة الأخبار البرازيلية ان البرازيل تعتزم تقديم طريقة جديدة لنزلاء سجونها من اجل تخفيف مدة عقوبتهم مقابل كل كتاب يطالعونه حيث أطلقت على البرنامج اسم (الخلاص بالقراءة). وأعلنت الحكومة أن النزلاء في أربعة سجون اتحادية تضم بعضا من أكبر المجرمين في البرازيل ستتاح لهم قراءة ما يصل إلى 12 عملا في الآداب والعلوم والفلسفة والكلاسيكيات لخفض مدة أقصاها 48 يوما من مدة عقوبتهم كل عام. لو تناط هذه المهمة لسجنائنا حتى تزدهر حيتنا من خلالهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق